سليبماكسينغ.. هوس النوم المثالي يجتاح منصات التواصل

في الآونة الأخيرة، انتشرت مقاطع فيديو تناقش محاولات البعض لتحقيق أفضل نوم ممكن، حيث شارك ناشطون تجاربهم وأساليبهم ضمن اتجاه جديد يعرف باسم “سليبماكسينغ” (Sleepmaxxing)، الذي أصبح من أبرز الموضوعات الرائجة على منصات التواصل الاجتماعي.
هوس البحث عن النوم المثالي
تحول السعي للحصول على نوم مثالي إلى هوس لدى بعض المستخدمين، إذ يعتمدون على استراتيجيات وأدوات وتقنيات متعددة، وأحيانًا بشكل مبالغ فيه، لتحسين جودة ومدة النوم.
ويشرح الدكتور هاري غاريت، الباحث المتخصص في علوم النوم بالمملكة المتحدة، طبيعة هذا الاتجاه، قائلًا: “يهدف هذا التوجه إلى استكشاف الوسائل التي تساعد على تحسين جودة النوم، مثل عدد ساعاته ونوعيته، بهدف تعزيز الصحة العقلية والجسدية. ويعتمد ذلك على استخدام أجهزة ذكية، ومكملات غذائية، وأدوات متخصصة لتحفيز النوم العميق لفترة أطول”.
وتتبع الأجهزة الذكية مراحل النوم المختلفة، مثل النوم العميق، والنوم الخفيف، ونوم حركة العين السريعة، وهي المرحلة التي تكون فيها العضلات، باستثناء عضلات العين، في حالة استرخاء تام. كما تشمل هذه الممارسات تناول مكملات غذائية ومشروبات تساعد على النوم، واستخدام أغطية أسرّة وملابس مريحة، بالإضافة إلى أدوات مثل سدادات الأذن وأجهزة تنقية الهواء وأساور قياس النشاط الكهربائي للقلب.
ورغم أن هذا الاتجاه ساهم في تحسين مدة النوم لدى البعض، إلا أنه قد يترتب عليه آثار سلبية، مثل الشعور المفرط بالقلق حيال جودة النوم، والخوف من عدم الالتزام بروتين معين، إضافة إلى الهوس بمراقبة المؤشرات الحيوية التي تسجلها الأجهزة الذكية فور الاستيقاظ.
هل نبالغ في السعي وراء النوم المثالي؟
يبقى التساؤل المطروح: هل يبالغ ممارسو هذا التوجه في محاولاتهم للحصول على النوم المثالي؟
في النهاية، يظل النوم عملية طبيعية لا تحتاج إلى تعقيد أو تدخل مبالغ فيه. إذ تؤثر عوامل عديدة مثل التوتر، والهرمونات، والضغوط اليومية على النوم، لكن الإنسان في النهاية ينام عندما يكون مرهقًا.
وتؤكد خبيرة فسيولوجيا النوم، ستيفاني روميسزوسكي، أن “أفضل طريقة لتحسين النوم هي قضاء يوم جيد، والتفاعل الاجتماعي، والعناية بالجوانب الحياتية القابلة للتحكم، بدلًا من فرض قيود صارمة أو إلغاء الأنشطة الاجتماعية والرياضية بدافع السعي إلى النوم المثالي”.
كما تحذر الدكتورة كارليرا فايس، مستشارة علوم النوم بجامعة بافالو، من “تسويق النوم كمنتج”، مشيرة إلى أن التركيز على شراء المزيد من الأدوات قد يحول الأمر إلى استثمار غير ضروري بدلًا من التركيز على العادات الصحية الأساسية.
الجانب المظلم من “سليبماكسينغ”
يروج لهذا الاتجاه بشكل رئيسي شباب في أوائل العشرينيات من أعمارهم عبر منصة تيك توك، حيث يعرضون أجهزة ومنتجات مختلفة يُفترض أنها تساعد في تحسين النوم. ومع ذلك، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لا تعكس بالضرورة الصورة الكاملة حول فعالية هذه الأدوات.
ويشير الدكتور غاريت إلى أن “معظم المعلومات الصحية المتداولة على الإنترنت لم تُختبر علميًا، بل يقدمها أفراد ليست لديهم خبرة طبية، مما قد يدفع البعض إلى استثمار أوقاتهم وأموالهم في أساليب قد لا تحقق النتائج المرجوة”. كما قد يؤدي تتبع عادات النوم إلى زيادة القلق، مما قد يُبقي الشخص مستيقظًا بدلًا من مساعدته على النوم.
هل يمكن التحكم في النوم؟
تشير الدراسات إلى أن احتياجات النوم تختلف من شخص لآخر باختلاف المراحل العمرية. فعلى سبيل المثال، يحتاج المراهقون وكبار السن إلى فترات نوم أطول نظرًا لتغيرات هرمونية تؤثر على جودة نومهم.
وتوضح روميسزوسكي أن “النوم يتغير مع الفصول والأسابيع والأشهر، ومن المستحيل ضبط كل هذه العوامل، لكن يمكن التركيز على السلوكيات الأكثر تأثيرًا، بدلًا من محاولة فرض روتين مثالي ثابت”.
كيف تحسن نومك بطريقة صحية؟
وفقًا لمجلة “هيلث لاين”، هناك بعض العادات الأساسية التي يمكن أن تساعد في تحسين جودة النوم دون الحاجة إلى المبالغة:
- تجنب الكافيين قبل 6 ساعات على الأقل من النوم.
- الابتعاد عن الشاشات قبل النوم بـ 45 دقيقة لتقليل التعرض للضوء الأزرق.
- ممارسة الرياضة بانتظام، لكن تجنب التمارين المجهدة قبل النوم مباشرة.
- الالتزام بمواعيد نوم واستيقاظ ثابتة يوميًا.
- الحفاظ على بيئة نوم مناسبة، مثل غرفة باردة ومظلمة.
- التعرض لضوء الشمس عند الاستيقاظ للمساعدة في ضبط الساعة البيولوجية.
النوم الجيد.. مفتاح الصحة العقلية والجسدية
يقول نوح كاس، الخبير في العلاج النفسي، إن “إعطاء الأولوية للراحة ينعكس إيجابيًا على الصحة الجسدية والعقلية، سواء أُطلق عليه النوم المثالي أم لا”.
ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن النوم الجيد يساعد في:
- خفض ضغط الدم والكوليسترول.
- تقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
- تعزيز المناعة ضد الأمراض.
- تخفيف الألم وزيادة تحمل الجسم له.
- تحسين الحالة المزاجية والحد من القلق والاكتئاب.
في النهاية، لا شك أن تحسين جودة النوم أمر ضروري للصحة، لكن المبالغة في السعي وراء الكمال قد تأتي بنتائج عكسية. يكفي التركيز على العادات الصحية الأساسية بدلًا من اللهاث وراء ترندات قد لا تحقق الفوائد المرجوة.