ثقافة

دعوة أكاديمي إيطالي لتقديم رواية يحيى السنوار تُشعل جدلاً ثقافياً واسعاً في إيطاليا

فاجأت الدعوة التي وجّهها المؤرخ والأكاديمي الإيطالي البارز ماركو دي برانكو، المتخصص في التاريخ الإسلامي، لتقديم رواية “الشوك والقرنفل” للقائد الفلسطيني الراحل يحيى السنوار في جامعة “لا سابينزا” بالعاصمة روما، الأوساط الثقافية الإيطالية، لاسيما أن الحدث نُظّم يوم 5 مايو/أيار الجاري بحضور ناشر الرواية دافيدي بيكاردو، وتناول عملاً أثار جدلاً واسعاً منذ صدوره مترجماً إلى الإيطالية في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن دار “لا لوتشي” بميلانو.

الرواية التي تُعد أول إصدار للسنوار يُترجم إلى لغة أوروبية، أثارت جدلاً كبيراً منذ لحظة الإعلان عنها، إذ حلّ الناشر ضيفاً على البرنامج الإذاعي الأشهر في البلاد “لا زنزارا”، حيث وُجهت إليه اتهامات بالترويج للإرهاب من قبل الإعلامي ديفيد بارينزو، بينما دافع بيكاردو عن الرواية، مشبهاً تأثير السنوار الرمزي بتأثير تشي غيفارا في وجدان الحركات المقاومة، واعتبر تغييب فكره خسارة للمهتمين بتاريخ النضال الفلسطيني.

غير أن العاصفة الإعلامية بلغت ذروتها أواخر فبراير/شباط الماضي، حين أعلنت دار النشر عن تنظيم فعالية لتقديم الرواية في جامعة لا سابينزا بمبادرة من “الطلبة الفلسطينيين في إيطاليا”. وسرعان ما شنت الصحافة اليمينية والجالية اليهودية حملة ضد الحدث والمنظمين، ما دفع إدارة الجامعة إلى الإعلان عن إلغائه، مدعية أنها لم تكن على دراية كاملة بتفاصيله، في حين أوقفت منصة “أمازون” بيع الكتاب تزامناً مع ذلك.

ورداً على ما اعتبره حملة استبعاد ممنهجة، نشر دافيدي بيكاردو افتتاحية في صحيفة “لا لوتشي” هاجم فيها ما أسماه بـ”التحالف الثلاثي للمنع”، مشيراً إلى أن الرواية تعرضت لمنع يميني وصهيوني ويساري، ومشدداً على أن العمل خالٍ تماماً من أي تحريض أو كراهية، بل يعكس إيماناً عميقاً بقضاء الله.

ورغم إلغاء الجامعة الرسمي للندوة، أصرّ “الطلبة الفلسطينيون في إيطاليا” على تنظيم الفعالية في الموعد ذاته (5 مارس/آذار) داخل قاعة بديلة يديرها طلاب من تيارات يسارية، ما أثار جدلاً واسعاً في الإعلام الإيطالي. غير أن التوتر تصاعد مجدداً عندما أعلنت مجموعة طلابية يسارية عن رفضها استخدام القاعة، مبررة موقفها بأن الناشر لا يدعم حقوق المثليين، واعتبرت ذلك “خيانة لمبادئ النضال من أجل المضطهدين”.

في مواجهة هذا التصعيد، نشر بيكاردو مجدداً افتتاحية اتهم فيها اليسار الثقافي بممارسة “استعمار ثقافي جديد”، واصفاً من يقفون خلف القرار بـ”كولونياليين يدّعون مناهضة الكولونيالية”، ومتهماً إياهم بازدراء ديانة الشعب الفلسطيني ومحاولة فرض أيديولوجياتهم على الشعوب الأخرى.

وفيما بدا أن الرواية قد طُوقت بالكامل داخل المشهد الثقافي الإيطالي، برز صوت أكاديمي رصين ليكسر حاجز الصمت. فقد أعلن ماركو دي برانكو، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة لا سابينزا، عن تنظيم جلسة تقديم رسمية لرواية السنوار بحضور بيكاردو وعدد من أساتذة الجامعة، وسط حضور طلابي لافت. وقال دي برانكو خلال الندوة إن “من غير الممكن إقصاء أي رواية تسهم في كتابة التاريخ، حتى في ظل أعنف النزاعات الأيديولوجية والسياسية”، مضيفاً: “في ظل اللحظة المأساوية التي يعيشها العالم، لا يمكننا التظاهر بأن شيئاً لا يحدث، ليس من منظور سياسي فقط، بل من منظور تاريخي أيضاً”.

وشدد المؤرخ الإيطالي على أن أهمية رواية السنوار لا تكمن فقط في مضمونها، بل في السياق الذي أحاط بتلقيها داخل إيطاليا. ورغم تخصصه في تاريخ العصور الوسطى، أكد دي برانكو أن الرواية تمثل “وثيقة تاريخية خضعت لنوع من الحظر الناعم”.

وفي معرض انتقاده للمعايير المزدوجة التي تحكم الساحة الأكاديمية، أشار دي برانكو إلى استمرار العلاقات بين الجامعة وبعض الجامعات الإسرائيلية بذريعة دعم السلام، في حين يجري حظر أي رواية فلسطينية مضادة، وهو ما وصفه بـ”السلوك غير المقبول”.

كما نوّه إلى القيمة التاريخية للنص، قائلاً: “هذه رواية كتبها شاب فلسطيني من داخل السجن، وستشكل بعد خمسين أو مئة عام مرجعاً لفهم ما يعنيه الاحتلال لفلسطين”.

بدوره، أكد بيكاردو أن الرواية تخلو تماماً من مشاعر الكراهية، بل تجسد روحاً مؤمنة بقضاء الله، وهو ما وافقه عليه دي برانكو، مضيفاً أن النص يطرح مفهوماً فلسفياً عميقاً من خلال التصالح مع “المكتوب”، كما أن هدوء عاطفة الكاتب وخلو نصه من أي عداء لليهود قد يدهش القارئ الغربي، ويشكل أحد أبرز مزاياه.

عقب الندوة، عبّر بيكاردو عن امتنانه للأكاديمي ماركو دي برانكو الذي أعاد الاعتبار للرواية، معتبراً أن موقفه “محا وصمة العار التي لحقت بالجامعة الإيطالية”، فيما وصف لوكا سبيزيكينو، رئيس “اتحاد الشبيبة اليهودية في إيطاليا”، ما حدث بأنه “تجاوز خطير للخطوط الحمراء”.

يشار إلى أن ماركو دي برانكو، المولود عام 1966، يعد من أبرز الأكاديميين في جامعة لا سابينزا، وله العديد من المؤلفات منها: “قصص عربية عن الإغريق والرومان” (2004)، و*”ابن تيمية: رسالة إلى قائد صليبي”* (2004)، و*”الإسكندر الأكبر: بطل عربي في القرون الوسطى”* (2011)، بالإضافة إلى ترجمته الحديثة لنص أندلسي بعنوان “كتاب هروشيوش” (2024) الفائز بجائزة الشيخ زايد للترجمة.

زر الذهاب إلى الأعلى