الاقتصادان الأميركي والصيني في سباق عالمي محموم: تنافس يحدد ملامح العقد المقبل

تتصدر الولايات المتحدة والصين المشهد الاقتصادي العالمي، حيث يسهم البلدان معاً بما يقارب 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وفي ظل التغيرات المتسارعة على الساحتين التجارية والسياسية، يزداد الاهتمام عالمياً بمقارنة أداء هذين العملاقين الاقتصاديين، لما لذلك من أثر مباشر على المستثمرين وصناع القرار والمؤسسات الاقتصادية الدولية.
ورغم اختلاف النماذج الاقتصادية التي ينتهجها البلدان، يواجه كل منهما تحديات متصاعدة. ففي حين تنذر عودة دونالد ترامب بإحياء السياسات الحمائية وزيادة التوترات التجارية، تسعى الصين إلى الحفاظ على استقرار نموها من خلال توجيه استثمارات استراتيجية إلى القطاعات الصناعية الحيوية.
في هذا السياق المتقلب، تصبح قراءة ديناميات التنافس الاقتصادي بين بكين وواشنطن أمراً أساسياً لفهم مستقبل الاقتصاد العالمي. ويستعرض هذا التقرير أبرز الفروقات بين الاقتصادين، من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط دخل الفرد، وهيكل القطاع الصناعي، وتدفقات الاستثمار الأجنبي، وأداء الاستهلاك المحلي.
أولاً: الناتج المحلي الإجمالي
في عام 2024، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة حوالي 29.2 تريليون دولار، مسجلاً نمواً بنسبة 2.8% بفضل قوة الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار في التكنولوجيا والخدمات. أما الصين، فقد سجلت نمواً نسبته 5%، ما رفع ناتجها المحلي إلى نحو 134.9 تريليون يوان (ما يعادل 18.9 تريليون دولار).
لكن عند قياس الناتج المحلي بناءً على تعادل القوة الشرائية، تتفوق الصين على الولايات المتحدة، إذ يقدّر البنك الدولي أن الاقتصاد الصيني يعادل 1.27 ضعف حجم الاقتصاد الأميركي وفق هذا المعيار الأكثر دقة للمقارنة.
ثانياً: نصيب الفرد من الناتج المحلي
يكشف نصيب الفرد من الناتج المحلي عن الفجوة الكبيرة بين الاقتصادين. ففي عام 2024، بلغ هذا المؤشر في الولايات المتحدة نحو 89,700 دولار، مقابل 13,870 دولاراً فقط في الصين. وعلى الرغم من التحول الهيكلي الذي تشهده الصين نحو تعزيز الاستهلاك المحلي، فإن الفارق لا يزال كبيراً على مستوى ثروة الأسرة والخدمات الاجتماعية.
ثالثاً: القطاع الصناعي
يستمر التصنيع في لعب دور محوري داخل الاقتصاد الصيني، حيث شكّل نحو 36.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة بـ9.9% فقط في الولايات المتحدة. وتحافظ الصين منذ 15 عاماً على صدارتها كأكبر مساهم في الصناعات التحويلية عالمياً، بنسبة تقارب 30% من القيمة المضافة لهذا القطاع.
رابعاً: الاستثمار الأجنبي المباشر
حافظت الولايات المتحدة على موقعها كأهم وجهة عالمية للاستثمار الأجنبي المباشر في 2024، مع تدفقات قاربت 398 مليار دولار في الربع الأخير وحده، مدفوعة بمبادرات ضخمة في الطاقة النظيفة وأشباه الموصلات. وبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي داخل البلاد نحو 5.4 تريليونات دولار بنهاية عام 2023.
في المقابل، شهدت الصين تراجعاً في الاستثمارات الأجنبية بسبب التوترات الجيوسياسية والمخاوف التنظيمية، إذ بلغت التدفقات 114.7 مليار دولار، بانخفاض 27.1% عن العام السابق، مسجلة أحد أكبر التراجعات في تاريخها الحديث.
خامساً: الإنفاق الاستهلاكي
يظل الاستهلاك العمود الفقري للاقتصاد الأميركي، حيث يشكل نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد نما إنفاق المستهلكين في الولايات المتحدة تدريجياً خلال الربع الأخير من 2024، رغم ارتفاع الفائدة وزيادة مستويات الديون الأسرية، التي بلغت 18.13 تريليون دولار.
أما في الصين، فقد ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 3.5%، مما يشير إلى استمرار التوجه نحو نموذج اقتصادي يعتمد أكثر على الاستهلاك. غير أن حالة عدم اليقين لا تزال تثقل كاهل ثقة المستهلك وتُقيّد نمو الطلب الداخلي.