استكشاف تاريخ الإسلام والسياسة: أربعة كتب لا غنى عنها

يُعد تاريخ الإسلام من أكثر المسارات التاريخية تعقيدًا، غير أن تاريخه السياسي يبدو أكثر تشابكًا وتعقيدًا. وباعتباري باحثًا في العلاقة بين الإسلام والدولة، أوصي بقراءة أربعة كتب تتيح فهماً أعمق لهذا الموضوع المتعدد الأبعاد.
1- الإسلام وأصول الحكم – علي عبد الرازق
يشيع الاعتقاد بأن الإسلام يرفض الفصل بين الدين والدولة، خلافًا للمسيحية التي تتقبله، وقد عززت هذا المفهوم كتابات لعلماء مسلمين ومستشرقين على حد سواء. يقع مفهوم الخلافة في قلب هذا الطرح، إذ يُنظر إليها كنظام يوحد السلطة الدينية والسياسية تحت قيادة حاكم واحد. غير أن هذا الفهم نادرًا ما وُضع موضع تساؤل كما فعل علي عبد الرازق في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” الصادر عام 1925.
كان عبد الرازق (1888-1966) عالمًا أزهريًا وقاضيًا شرعيًا في مصر، وقد طرح في كتابه رؤية مفادها أن الإسلام يتمحور حول القيم الأخلاقية وليس حول شكل الحكم. واستند إلى أن النبي محمد ﷺ لم يضع نظامًا سياسيًا محددًا، بل ترك للبشرية رسالة دينية خالدة، ولو كان الأمر غير ذلك، لكان قد أوصى بخليفة من بعده.
عبر تحليل تاريخي للخلافة الأموية والعباسية، كشف عبد الرازق عن طبيعتها البراغماتية، مؤكدًا أنها مؤسسة بشرية لا تستند إلى تفويض إلهي. وقد أثارت هذه الأفكار جدلاً واسعًا، مما أدى إلى سحب شهادته العلمية من قِبل الأزهر وعزله من منصبه القضائي.
2- المقدمة – ابن خلدون
يُعد المؤرخ ابن خلدون (1332-1406) أحد أبرز المفكرين الذين تناولوا ديناميات السلطة في العالم الإسلامي. يُشكل كتابه “المقدمة” تمهيدًا لموسوعته التاريخية واسعة النطاق، وهو عمل رائد في ميدان العلوم الاجتماعية.
كان ابن خلدون واضحًا في تمييز نفسه عن الفقهاء، حيث ركز على “العمران البشري والاجتماع الإنساني”، ما جعله يُصنَّف كأول عالم اجتماع في التاريخ. وقد قدم تحليلاً لدورة نشوء الدول وسقوطها من خلال العلاقة الجدلية بين الحضر والبدو.
✔️ الحضارة: تتسم بالرفاهية والفنون والعلم، لكنها تفقد قدرتها على الدفاع عن نفسها بسبب الاعتماد على الجيوش النظامية.
✔️ البداوة: تفتقر إلى التطور الثقافي، لكنها تمتاز بالشجاعة وروح الجماعة القوية، مما يمنحها القدرة على غزو الحضر.
طرح ابن خلدون نظرية تفيد بأن الدول تبدأ قوية بفضل “العصبية”، لكنها تضعف مع الزمن بفعل الترف والانقسامات الداخلية، مما يجعلها عرضة للغزو من قبائل بدوية جديدة، في دورة متكررة.
كما توسع ابن خلدون في القضايا الاقتصادية، محذرًا من أن فرض الضرائب المرتفعة يؤدي إلى تقويض الاقتصاد، وهي رؤية استشهد بها لاحقًا الرئيس الأميركي رونالد ريغان. لا تزال أفكاره تحتفظ بأهميتها في تفسير ظواهر معاصرة، مثل الهجرة وصعود حركات التمرد.
3- مغامرة الإسلام: إمبراطوريات البارود والعصور الحديثة – مارشال هودجسون
يتناول المؤرخ الأميركي مارشال هودجسون (1922-1968) في كتابه “مغامرة الإسلام” تطور الإمبراطوريات العثمانية والصفوية والمغولية بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، والتي وصفها بأنها “إمبراطوريات البارود” لاعتمادها على الأسلحة النارية.
ينظر البعض إلى هذه الإمبراطوريات باعتبارها ذروة المجد الإسلامي العسكري، لكن هودجسون يطرح رؤية نقدية. ففي الوقت الذي ركزت فيه هذه القوى على التوسع العسكري، كانت أوروبا تشهد ثورات فكرية وعلمية، مثل ثورة الطباعة والاكتشافات الجغرافية، ما أتاح لها التفوق لاحقًا.
يشير هودجسون إلى أن المسلمين لم يستفيدوا من الابتكارات المعرفية بنفس القدر الذي تبنوا به الأسلحة النارية. ففي الوقت الذي طبع فيه الأوروبيون ملايين الكتب، بقي العالم الإسلامي بلا مطبعة لعدة قرون، مما أدى إلى تأخره معرفيًا.
4- الإسلام والسلطوية والتأخر – أحمد طه كورو
في كتابه “الإسلام والسلطوية والتأخر”، يطرح الدكتور أحمد طه كورو تفسيرًا مختلفًا لأسباب التراجع السياسي والاقتصادي في الدول ذات الأغلبية المسلمة. فقد كانت المجتمعات الإسلامية، بين القرنين الثامن والثاني عشر، أكثر تقدمًا من نظيرتها الأوروبية، لكنها دخلت مرحلة جمود فكري وسياسي بدءًا من القرن الحادي عشر.
✔️ يرى كورو أن السبب لا يعود إلى الإسلام ذاته، بل إلى تحالف بين العلماء التقليديين (الفقهاء) والدول العسكرية، مما أدى إلى تهميش المفكرين والتجار.
✔️ هذا التحالف بدأ في آسيا الوسطى وإيران والعراق، وامتد لاحقًا إلى مصر والشام والدولة العثمانية، حيث عزز السلطوية وأضعف الابتكار.
يلفت كورو إلى أن هذه الديناميات أسهمت في تأخر تبني الطباعة والتكنولوجيا الحديثة، مما جعل العالم الإسلامي يفقد موقعه الريادي الذي كان يحتله خلال العصر الذهبي.
أهمية قراءة التاريخ لفهم المستقبل
يكشف لنا استعراض هذه الكتب أن فهم تاريخ الإسلام السياسي ضروري ليس فقط لاستخلاص الدروس، ولكن أيضًا لاستشراف المستقبل. فالتجارب الماضية تُظهر أن النهوض الفكري والعلمي كان مرتبطًا بالانفتاح والتعددية، بينما أدى التقييد والجمود إلى التراجع. لذا، فإن استلهام القيم الحضارية التي ازدهرت في العصر الذهبي قد يكون مفتاح النهضة الحديثة.